الجمعة، 29 يونيو 2012

الفوضى الخلاقة وأدواتها النفسية والإعلامية

الفوضى الخلاقة وأدواتها النفسية والإعلامية:
كيف نفرق بين الإنتفاضات الوطنية وبين الإنتفاضات التي تحدثها أمريكا؟
إن فهم آليات وأساليب الفوضى الخلاقة أمر مهم جدا الآن كي نميز بين الإنتفاضة الوطنية والفوضى الخلاقة التي تفجرها وتوجهها أمريكا فإذا رأينا تلك السمات الجوهرية للفوضى الخلاقة موجودة في الإنتفاضات الحالية وعرفنا كم أن حجمها كبير فإنه بالتأكيد يؤكد إن أمريكا من يقف وراء هذة الثورات، وفيما يلي أهم السمات الجوهرية للفوضى الخلاقة:
السمة الأولى: الحرب النفسية (توليد اليأس والآمال).
بعد أن تعرفنا على الفوضى الخلاقة وتاريخها وأهدافها الجوهرية وكيف تم تطبيقها عملياً في تونس ومصر وسوريا واليمن والآن في السودان، في الجزء الأول والثاني من دراستنا التحليلية، سنأتي الأن إلى توضيح السمات التي تتسم بها الفوضى الخلاقة ومقارنتها في الإنتفاضات الشبابية الحاصلة في الوطن العربي لنرى كم نحن ضحايا تآمر خطير لايفهمه الكثير من الشباب الذين غسلت عقولهم عبر القنوات النفسية والإعلامية الأمريكية.
الحرب النفسية: ومن بين أهم قواعد لعبة الفوضى الخلاقة هي لعبة الخطة النفسية لنشر اليأس بعد صعوده للسماء مشبعاً بالأحلام الكبيرة بفضل انتفاضات شعبية حقيقة وضعت لها أهدافا كبيرة ضختها وجسدتها في هدف إسقاط النظام، فعندما يسقط النظام تتعزز الآمال وتكبر وتجرف العقل وتحل محله العاطفة الثورية التي ترى كل شيء مضخما ومبالغا فيه، في إطار سايكولوجيا تعويضية يلجأ إليها من أصيب بهزائم ونكبات ومسلسلات فشل، وتقوم على جعل الحلم والتمني هو محور تفكير وأحلام المظلومين والمضطهدين غير القادرين على التغيير لعقود ولربما لمئات السنين فيحلمون بمستقبل كبير وعظيم وكأنهم قد صنعوا الجنه لكنهم ينسون أن هذا مقرون بزمن طويل أيضاً. ولكن ماذا يحصل حينما تفشل الإنتفاضة في تحقيق الآمال وتصبح محض تغيير أشخاص؟ تتحول الإنتفاضات إما إلى هيجانات دموية أو السيطرة عليها في نهاية المطاف من قبل الجيش وتحولها إلى عملية تبديل وجوه، كما يحصل في تونس ومصر، يوصل الكثير من شباب الإنتفاضة إلى اليأس والاضطرار لقبول أي حل – حتى لو كان مرفوضا قبل الإنتفاضة – من أجل تهدئة الأوضاع بعد فترات طويلة من الإضطرابات التي تحرم الناس من الأمن والخدمات والطعام وغيره.
إن فن إتعاب الناس واستنزافهم نفسيا هو أحد أهم أساليب المخابرات الامريكية ولذلك فإنه هدف أساسي لها في العمل من أجل تحويل الإنتفاضة إلى فوضى شاملة، وما يسهل تحقيق هذا الهدف طبيعة تربية وثقافة الفيس بوك القائمة على الفردية الأمريكية التي تمنع بروز وتحكم روح المطاولة والإستعداد للتضحية بلا حدود من أجل الوصول إلى أفضل وأوضح صورة للبديل المنتظر الضامن للنصر الحقيقي وإكمال مشوار الثورة، لأنها تربية تنمي الفردية ذات النفس القصير والتمتع الآني ورفض التضحية الكاملة من أجل الآخرين.
إن فن إتعاب واستزاف الناس نفسيا حينما يمارس بدقة يصبح قادرا في أغلب الحالات على إجهاض الثورة والإنتفاضة وتحويلهما إلى حيرة وتوهان وعجز عن تلمس الطريق الصحيح بعد إسقاط النظام، وهنا تأتي فرصة المخابرات في الإمساك بمسار الأحداث بقوة والسيطرة عليه، تاركة الشباب يجترون اليأس الذي يصبح هذه المرة وبعد صعود الآمالـ إلى قمة غير مسبوقة ، يأسا قاتلا يجبرهم على الإعتزال والإنصراف لإجترار الذات والصلاة في محرابها وتوليد أبناء وبنات اليأس مثل العدمية المطلقة والعزلة المطلقة، وهذا بالضبط هو ما تريد المخابرات توليده لفسح المجال لها لتنفيذ ما تريده بأقل العقبات.
وما إن تتركز عواطف هذا الإنسان على هدفه وهو إسقاط النظام حتى ينسى كل شيء آخر ويهمل كل الظواهر التي لو انتبه إليها لأدرك ان ما يجري ليس كما يظن بل على العكس! والأهم أنه يتجاهل عمدا دور العدو أو الأعداء في التدخل لأجل احتواء الحدث الثوري من أجل استثماره لصالحها، وهنا يجد نفسه، وهو الوطني الحقيقي، يهتف مع عميل المخابرات (نريد إسقاط النظام)، دون أن تتجرأ لديه ملكية العقل والمنطق على طرح سؤال بسيط يفسر ما يجري بدقة وهو: لماذا تؤيد أمريكا ويؤيد الإتحاد الأوروبي، وهما قطبا الإستعمار والإمبريالية ومصدر كوارثنا منذ بداية القرن الماضي، إنتفاضات شعبية موجهة أصلا ضد عملاء الغرب وحلفاء إسرائيل مع أنهما بتاريخهما وممارساتهما الحالية، كما يتجلى في العراق وفلسطين والسودان وليبيا وسوريا، يدعمان ويحركان كل المخططات المعادية لوحدة الاقطار العربية وتقدمها وحريتها واستقلالها ويقدمان الدعم المطلق للكيان الصهيوني؟
إن تجنب طرح هذا السؤال من قبل وطنيين هو آلية نفسية (ميكانيزم سايكولوجي) لمنع يقظة المنطق والعقلانية واللتان تكفيان لتبديد أوهام التفكير الرغائبي وإعادة الإنسان إلى مربع إدراك أن ما تحقق بإسقاط النظام ليس سوى خطوة كبيرة ومهمة جدا لكنها ليست الوحيدة تماما مثلما تبني دارا لكنك لا تكمل بناءه وتتركه بلا أبواب ولا شبابيك فيصبح ملاذا لكل مايخرب السكن فيه. وهذا هو ما تسعى إليه المخابرات التي تريد تحويل الإنتفاضات الثورية والوطنية كما في مصر وتونس وغيرها من أقطار العالم العربي، إلى مجرد قوة ضغط لتغيير شكل ووجوه النظام مع إبقاء جوهره وهو التبعية المبطنة في البداية للغرب والتطبيع مع الكيان الصهيوني ...الخ. ثم تجري عملية كشف الوجوه الجديدة ولكن بعد أن تحل الكارثة على الوطن والمجتمع.
ثانياً : الحرب الإعلامية الموجهة.
في حلقة بثت على قناة روسيا اليوم حول موقع ويكيليكس قال المحلل الروسي إيغور بانارين (إن موقع ويكيليكس هو بمثابة بداية للحرب الإعلامية العالمية الثانية التي تقودها أمريكا وبريطانيا، فالأولى كانت لتقسيم الإتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة والآن تجري الحرب الإعلامية الثانية لتقسيم الشرق الأوسط كافة).
إن السيطرة الإعلامية أثناء الأزمات الساخنة والحروب تشبه السيطرة الجوية وتدمير مركز القيادة والتوجيه لدى أي جيش في الحرب العسكرية، لأنها تجرد الضحية المستهدفة من القدرة على إيضاح رأيها في جو سادته الأكاذيب أو القصص وخلط الحقائق بالأكاذيب حولها التي تجعل الضحية مشيطنة ومكروهة من قطاعات كبيرة فيصبح الرأي العام ضدالضحية ومع الهجوم عليها، أو على الاقل تتخذ موقف اللامبالاة تجاه حرب مدمرة، بالإضافة لإثارة القلق وإضعاف المعنويات لدى الشعب المستهدف وقواته المسلحة.
والسيطرة الإعلامية بعد انتهاء الحرب الباردة أصبحت هي والمخابرات أهم من العمل العسكري ضد الهدف، والمهم هنا هو ما يلي: حينما يطلق الإعلام الأمريكي والغربي والصهيوني والعربي التابع للغرب أكاذيب، بعضها ذكية جدا وبعضها الآخر فجة، فإن هدفه آني، أي إقناع الناس الآن أو قسما منهم بصحة تلك الأكاذيب لأجل تحشيد الناس ضد المستهدف وعزله، والعزل والتعتيم والتضليل يجب أن يتم مسبقا عند الإعداد للحرب والدمار والفوضى والخراب أو أثناءه وليس بعد انتهاء الحرب أو تحقيق الهدف الرئيس، فعندما يتحقق الغزو مثلاً وينجح ويحقق هدفه الرئيس والمباشر لايهم أن تكشف مثل تلك الأكاذيب.
ففي حالة العراق على سبيل المثال: جاء الإعلام الموجه ليهيىء للغزو طريقه ومساره حيث رأينا أن بداية عملية غزو العراق وتدميره ماكانت لتبداء إلا بعد إطلاق الأكاذيب الإعلامية وشيطنة النظام البعثي وصدام حسين وتشويه كل من يدافع عنه، وكذا لاننسى أن أكبر كذبة كانت إعلامية خالصة، وهي امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل، وبعدها فاجئة أمريكا وأوروبا العالم بعد ذلك وقلبت صفحة الأكاذيب وكأنها لم تحدث ــلأن الأمر الواقع تحقق وهو الغزوــ رغم الكوارث البشرية والمادية والنفسية التي حلت بالعراق وشعبه نتيجة تلك التهيئة الإعلامية التي اختلقت العديد من القصص والأكاذيب التي روجت لها القنوات الأمريكية والصحف العميلة ومنها قناة الجزيرة ممن جعلوا الغزو الأمريكي يبدو في صورة المنقذ للعراق من صدام، بحسب ما اعترف بذلك أحد أهم مؤسيسها الصحفيين وهو المصري يسري فودة (معد ومقدم برنامج سري للغاية) الذي استقال بسبب هذة النقطة تحديداً والكلام هنا موثق بأدلة. وفي إطار هذه الحقيقة المعاشة والتي مازلنا نرى آثارها الكارثية فإن الإعلام هو حالة تمهد الطريق للغزو ثم تحافظ عليه بسلسلة أكاذيب وتزويرات جديدة.
إن من أهم شروط نشر الفوضى والسيطرة عليها في آن واحد شرط عزل النظام إعلاميا والتعتيم عليه وعلى بياناته وجعل فضائيات أخرى محددة تتولى نشر الصور والمعلومات التي يريد نشرها من أطلق الفوضى الخلاقة ومن يديرها ويسيطر عليها، فعبر ذلك فقط يمكن توسيع عزلة النظام وزج أكبر عدد ممكن من الجماهير الغاضبة وتشجيع تسرب الغوغاء وإندساسها في صفوفها في عمليات الهجوم على النظام لأجل إسقاطه. إن عملية عزل النظام إعلاميا والسماح لرأي من يسيطر على الإنتفاضة إعلاميا بنشر ما يريد هو فقط أو على الأقل جعل قنواته المصدر الأساس للأخبار وهو أحد أهم شروط التمهيد لإسقاط النظام ويكمل وظيفة شيطنته. إن هذه الخطة تفتت النظام من خلال تقطيع اوصاله ومنعه من التواصل مع أنصاره أو تنبيه الرأي العام للحقائق التي تخفى، ولذلك يلعب الزمن دورا حاسما في تنفيذ هذه الخطة وهو زمن قصير جدا ويتحدد بأيام وليس بأسابيع لأن إخفاء المعلومات غير ممكن لعدة أسابيع، وإذا كشفت الحقائق بعد انتهاء عملية إسقاط النظام خلال زمن قصير فإن ما كشف لن تكون له قيمة لأن الهدف تحقق وأوجد أمر واقع جديد.
وهذه الخطة وإن كانت تطبق على كل نظام مستهدف فإن نظاما وطنيا قدم للشعب إنجازات كثيرة ويخلو من الفساد المنظم قادر على إحباطها، لكن نظاما عميلا وفاسدا ومعزولا فيما إذا استهدف فإنه يتعرض للسقوط بفضل عدم وجود من يدافع عنه بقناعة.
إن دور الإعلام الموجه يأتي بصورة حديدية ليكمل تثبيت ما أنتجته عوامل الإنتفاضة من مشاعر متناقضة وأوهام حول إمكانية تحقيق التغيير والوصول إلى أهدافه بلا إستراتيجية وطنية واضحة وبلا قدرة جماهيرية منظمة، فالفضائيات خصوصا الجزيرة إعداداً وترتيباً وتنسيقاً وتخطيطاً أعدت لتصبح المصدر الأول للمعلومات الموضوعية في الوطن العربي. قامت في السنوات الأولى لتأسيسها، بتقديم أفضل البرامج وأسقطت الصورة النمطية للإعلام العربي الحكومي البائس وفتحت الأبواب أمام نقد الأنظمة بل ونقد أمريكا بحرية، ولذلك نجحت في استقطاب الكثير من الناس لدرجة أنهم أخذوا يتجنبون طرح سؤال محدد وأساسي وهو من يملك ويقود هذه الفضائية؟ بالطبع رأينا إعلاما عربيا حديثا ومختلفا عما تعودنا عليه خصوصا أنه إعلام شرع بفضح الأنظمة العربية كلها باستثناء نظام البلد الذي يمول الفضائية (قطر)، كما هي حال قناة الجزيرة، وهذا ما كان يحلم به كل عربي لذلك تغاضى عن هوية مالكها، وبعد أن تركزت فكرة أن قناة الجزيرة محايدة وموضوعية وتستحق الإعتماد عليها في نقل الأخبار وتغطية الأحداث حان وقت قطاف ثمار هذا الزرع فبرزت الجزيرة بكل طبيعتها المخابراتية الموجهة منذ أحداث تونس إلى أحداث ليبيا، تروج أكاذيب بعد أن تمزجها بحقائق وتحرض الجماهير على التدمير والفوضى تحت شعار (إسقاط النظام)! إن اليأس وفساد وعمالة وديكتاتورية أغلب الأنظمة العربية استغل بقوة في الترويج للفوضى والحرب الأهلية وليس لإسقاط الأنظمة، وبما أن النظم العربية المستهدفة بغالبيتها جاهلة إعلاميا وفاسدة ومستبدة فإنها عجزت عن مواجهة تفوق الجزيرة في  إعلامها خصوصا وأن من يخطط للجزيرة إعلاميا ونفسيا هو المخابرات الأمريكية بحسب ماقاله الباحث الفلسطيني ماجد كيالي في كتاب له عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهكذا وبهذا العمل الأمريكي الذكي حسمت السيطرة الإعلامية لصالح الجزيرة أي لصالح مشروع التقسيم الذي أطلقته أمريكا وإسرائيل كما هو معروف وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد.
في إنتفاضات مصر وتونس لم يلاحظ كثيرون أمورا غير عادية في تغطية الجزيرة لأن الأنظمة فيها فاسدة ومستبدة وتابعة لأمريكا ومطبعة مع إسرائيل ولكن صورة الجزيرة ودورها في تنفيذ المخطط الأمريكي الإسرائيلي اتضح في أحداث اليمن وليبيا، وفي أحداث العراق وايران وهذا بحسب ما أفاده المفكر العراقي صالح المختار في مقاله الأخير المنشور في موقع المقاومة العراقية، حيث قال في معرض حديثه: (و في اليمن وليبيا تعمدت الجزيرة المبالغة فيما يجري وحجب معلومات وتزوير معلومات ونشر أكاذيب من أجل زيادة التوتر فيهما وتصعيد الأزمة لتصل إلى طريق اللاعودة وعندها يكون المخرج الوحيد هو تقسيم اليمن وليبيا وليس إسقاط النظام، لأن النظام سيبقى وسيكون مقابله أنصار المعارضة يتقاتلون كما لم تتقاتل أي من هذه البلدان في فترة من قبل، لأن قوة القبائل والجيش تتفوق كثيراً على القوة التي كانت من قبل سنوات الثورة، كما إن التدخل الخارجي الأمريكي والعربي والإيراني فيها يغذي حربا أهلية لن تنتهي بانتصار أحد بل بتدميرها وتقسيمها إلى ثلاثة أو أربعة دويلات، أما ما يجري خطير جدا وهو سوف يفضي إذا استمر الوضع إلى تقسيم هذه البلدان وهو ما تريده إسرائيل وأمريكا).
إن دور قطر، وهي ليست التابعة لأمريكا فقط بل هي قاعدة أمريكية خالصة، في تأمين السيطرة الإعلامية على الأحداث في الوطن العربي وتسخيرها لخدمة الهدف الأمريكي - الإسرائيلي الأهم وهو تقسيم الأقطار العربية يقدم لنا صورة بالغة الوضوح لحقيقة ما يجري الآن من أحداث خطيرة تهدد الوحدة الوطنية لكافة الأقطار العربية، ولولا هذه السيطرة الإعلامية لما نجحت أمريكا في تحويل المطالب الشعبية المشروعة في إسقاط النظم إلى فوضى عارمة لن تسقط الأنظمة بل ستعزز وجودها بصور أخرى كما يحصل في تونس ومصر، أو الأخطر أنها ستقود إلى تقسيم الأقطار العربية كما هي حال اليمن وليبيا، فهل هذا هدف أي وطني عربي قومي؟ وهل يصان شرف أي وطني بتطابق موقفه مع الموقفين الأمريكي والأوروبي؟
* تساؤلات سريعة *
أخي المناضل العربي، عزيزي القارىء والباحث، ألم يلاحظ أحدكم كيف أن البعض من الشباب حاول جمع أكبر قدر من الشكاوي على صفحات الفيس بوك عن تغطية قناة الجزيرة بأنها لا ترضي رغبات الشباب الثائر، ألم يلاحظ أحدكم كيف أن الشعور المتولد لدى الشباب العربي المنتفض بات كمن ينتظر الدعم من قناة الجزيرة مثلا ًوهي حقيقة لا ننكرها، ولكن لماذا لم نسأل أنفسنا أو حتى يسأل نفسه ذلك الشاب ما الحاجة من تغطية الجزيرة وقد عرف الناس بأنه وأصدقائة يعتصمون، الإجابة المؤلمة لا محالة هو أن الشباب الذي يطلبون القنوات بتغطية الأحداث الثورية المزعومة إنما هو يدل على إن الحاجة فقط هو للدعم الدولي الأوروبي والأمريكي لهذة الإنتفاضات فهل هذا عمل وطني أم مخابراتي؟ حسناً لنقنع أنفسنا بأنهم شباب يفتقرون للخبره السياسية، ولكن ماذا لو لم يكن الإعلام مسلط على الثورة الشبابية، هل كان سيتسمر الشباب في عملهم؟ الإجابة احتمال ضعيف، فهل هذة ثورة وطنية حقيقية أم مغامرة وطنية أم فوضى خلاقة توجهها أمريكا وتدعمها!! بالفعل هناك طابور خامس يحرك هذه الثورات إعلامياً ولكن بدون علم الناس الوطنيين والشباب الأحرار الذين يريدون التغيير فعلاً وقاموا بالثورات الغاضبة أو ساعدوا فيها لكنهم لا يمكن أن يتخلوا عن وطنهم أو مواطن أو مسؤول ما كان في يوم يحكمهم لتتم محاكمته في محكمة أجنبية يهودية لأنه محال أن يصان شرف أي عربي طلب حريته على حساب بيع حقوق أمته وشعبه وأخيه المواطن مهما تجاوزت أخطائه، هذه هي النخوة العربية وهذا ما تربينا عليه وهو العفو عند المقدرة لأن هذا هو من شيم العرب الكرام وليس اللئام، ولكن الغزو الفكري دمرنا ودمر عادتنا وأخلاقنا وهذا ما لا نحسه ولا ندركه حتى في نهاية الأمر، ولقد رأينا صدام يشنق ومن ثم بكينا مع أننا لم نبكي وهو ينتظر للنجدة الأخوية العربية داخل قفص محكمة أمريكية لعينة ساقطة وعاهرة يديرها رجل عراقي عميل وساقط لايمكن أن يكون في شرف ونخوة صدام حسين أبداً مهما كانت أخطاء الشهيد صدام حسين وذلك كله حصل بفضل معارضة (الجلبي) العراقية التي طلبت الدعم الأمريكي لتحريرها من صدام وبمساعدة الإعلام الذي شيطن صدام ونظامه، لقد شرعنا منذ السطور الأولى لدراستنا في توضيح كيف أن العفوية ونقص التجربة الثورية محال أن تصنع ثورة ولكن من يدعم هذه الثورة العفوية هو بالفعل من يصنعها وما طلب المنتفضين وشكرهم الدائم للجزيرة إلا تعبير عن أنهم ليسوا أكفاء للقيام بإنتفاضة لولا الجزيرة أو لأنهم يعملون ضمن مخطط أمبريالي وينقصهم الدعم الإعلامي لنقل صورتهم بهدف تبرير حصولهم على الدعم الدولي الغربي الملعون ليقوم بدعم إنتفاضتهم عبر كافة الوسائل الممكنة، كما يحصل في ليبيا عندما طلبت القوات الثائرة على القذافي، الدعم الدولي الذي يبحث عن البترول فهل هذه معارضة أو إنتفاضة عربية شريفة أم مخطط إمبريالي لغزو وتدمير ليبيا بعد إنهاك القوى المتصارعة على السلطة فيما بينها، وخاصة إذا ما أدركنا أن من يخطط للثوار الشباب في ليبيا هم قادة عسكريون وليس شباب عفوي وفي مصر رأينا الجزيرة تشن حرب شعواء على نظام مبارك ولكن لم يحس أحد بمقدار ذلك الكذب والتلفيق والتحريض والإستهتار بالمشاهد العربي لأن مبارك كان عميلا فجا، ولكم أن تتخيلوا كم أزعجتني بعض الأكاذيب التي أطلقتها الجزيرة كمليارات مبارك وتوقيف حساباته في سويسرا ومعروف أن بنوك سويسرا لا تخضع لأي رقابة دولية ولا يحق لأي جهة توقيف أي حساب وهذا العرف السائد منذ عشرات السنين فكيف تبدل في ليلة وضحاها لدى الجزيرة، وكذلك عندما قالت الجزيرة أن هنالك طائرات إسرائيلية تنقل أسلحة إلى مصر فهل نحن أغبياء لنصدق أن مصر لا يوجد بها سلاح أو أن مبارك بحاجة إلى سلاح إسرائيلي ليقتل المتضاهرين في التحرير، ما هذا الغباء والكذب الوقح من الجزيرة يعني إلا الثقة الزائدة بأن هنالك إيمان كبير بما تقوله للناس وبالتالي فمن السهل وضع الأكاذيب الكبيرة أو الفجة بغرض تحريضهم كيفما شاءت هي، ففي اليمن أيضاً رأينا الجزيرة تلفق أحداث ملفقة لولا أن الأعلام اليمني الذي بدا لنا متماسكاً وقوياً، قام بكشف الكثير من الأخبار والمقاطع الملفقة، ويبدو أن الجزيرة استهترت كثيراً بالإعلام اليمني لتخلق أكاذيب أوقح بكثير مما خلقته في مصر.
إن ما نشهده نحن اليوم ما هو إلا في صدد الحرب الإعلامية العالمية الثانية لتقسيم الوطن العربي إلى دويلات عديدة وما كان ويكيليكس إلا بداية المشروع، ولذلك فإن كل من كان يطالب الإعلام والقنوات بالتغطية الكبيرة هو في الواقع يجر بلاده إلى أفيون حرب لا يحمد عقباه أو أنه عميل يريد تدويل القضايا الداخلية وجرها في الحبال الدولية الغربية العدو الأول والآخر للأمة العربية.
*مقولة مهمة*
قال أحد السياسيين يوما ما معناه حينما نجد أن مواقفنا تشابه موقف أمريكا فلابد أن تكون مواقفنا خاطئة، وهذا القول حقيقي فليس ممكنا تطابق مواقف أمريكا في القضايا الإستراتيجية مع مواقف مناهضيها، وإذا حصل هذا فعلى الثوار والوطنيين البحث بجدية في سلامة موقفهم. دعونا ننطلق من هذه المقولة لتفسير ما يحدث الآن. لنلاحظ أولا ظاهرة تفسر نفسها وتقدم لنا على طبق من ذهب حقيقة ما يجري وأهدافه الحقيقية، تلك هي ظاهرة تحول أمريكا والإتحاد الأوروبي وأشد النظم العربية تبعية لأمريكا والكيان الصهيوني كدولة قطر إلى أداة (التثوير) والتحريض الرئيسة! إن أي عاقل حقيقي في زمن التضييع المتعمد للعقل والمنطق لا بد أن يسأل نفسه: هل يمكن للغرب الإستعماري (أمريكا وأوروبا) الذي كان مستعمرنا الأول وناهب ثرواتنا الأول ومدمر مجتمعاتنا الأول ومقسم وطننا العربي الأول وخالق وداعم ومديم إسرائيل الأول وغازي العراق ومدمره ومصدر كوارثه الأول، هل يمكن لهذا الفريق أن يكون الآن (قديس الثورات) ومحركها وداعمها؟ هل يمكن للإستعمار والإمبريالية الأمريكية التي شنت أكثر من 40 حربا إستعمارية عداونية وأجهضت تجارب ديموقراطية بالقوة العسكرية وذبحت رؤوساء منتخبين مثل سلفادور الليندي في تشيلي، وغزت ودمرت وقتلت الملايين في فيتنام وأندونيسيا وتدخلت وفرضت أنظمة ديكتاتورية وفاسدة في العالم الثالث أن تصبح داعمة ثورة وإنتفاضات ثورية حقيقية؟
الجواب كما يقول المثل (اليهودي يهوي ولو أسلم) وأيضاً يقدمه لنا علم الوراثة قبل أن تقدمه علوم الإجتماع والنفس والسياسة: الضبع لا يلد إلا ضبعا ومن المستحيل أن يلد غزالا مهما أجريت له عمليات جراحية أو تجمّل وتعطر وتموه شكله، فالضبع له إبن واحد هو الضبع فقط. ما معنى ذلك؟ معناه الأول أن أمريكا ومهما فعلت تبقى أمريكا الإستعمارية المعادية للشعوب والحرية والتقدم، كما أن هذا يعني أن الأداة والماكينة التي تنفذ أوامر وخطط أمريكا لا يمكن إلا أن تكون أداة وماكينة مبرمجة، وتابعا مطيعا وبالتالي فإنها تفقد حق ادعاء دعم الحرية والتحرر. إن البحث في هوية الأداة أو الماكينة المستخدمة يوصلنا لما يلي: أن الأداة الرئيسة التي تدعو للتغيير والحرية وتدعم هذا المفهوم بهستيريا فاقت هستريا أمريكا، هي قطر، فهل يتوفر في نظامها الحد الأدنى من سمات التحرر او الوطنية؟ بالتأكيد كلا فقطر كلها وليس جزء منها قاعدة أمريكية في المقام الأول تخدم بصورة رسمية، وبقرار (حر)، كما قال أميرها حينما رفض استخدام أراضي قطر في ضرب إيران، تخدم أمريكا وغزواتها وأعمالها الإجرامية ضد الشعب العربي في كل أقطاره، ففيها أخطر قواعد أمريكا العسكرية في العالم، ومن هذه القاعدة انطلقت أخطر عملية عسكرية في التاريخ العربي وأشدها كارثية وهي عملية غزو العراق وتدميره، ومنها أديرت معركة غزو العراق وكانت فضائية الجزيرة وغيرها تنقل نقلا حيا تطورات غزو العراق من قطر القاعدة، مئات الطائرات الأمريكية انطلقت من قطر ومعها عشرات الآلاف من صواريخ كروز وغيرها لتدك بغداد، التي كانت تضرب يوميا بألف صاروخ كروز فقط من قلب قناة الجزيرة في قطر، فدمرت أحيائها ومعسكرات الجيش وتهدمت الملاجئ على رؤوس المدنيين!
وهذه الحقيقة تجعل قطر وقبل الكويت المسؤول العربي الأول عن غزو ودمار العراق وكارثة شعبه التي لم يواجه مثلها خلال أكثر من سبعة ألاف عام! وفي ضوء هذه الحقيقة المعروفة تفرض الأسئلة التالية نفسها على كل من يملك ضميرا حيا: هل يمكن لنظام (تطوع)، باعتراف الأمير، للمشاركة الرئيسة والجوهرية في تدمير العراق وغزوه وإبادة مليوني عراقي وتشريد ستة ملايين عراقي من ديارهم وتعذيب ثلاثين مليون عراقي يوميا بفقدان كافة الخدمات، هل يمكن لنظام كهذا أن يكون مع انتفاضة وطنية حقيقة في مصر وتونس وغيرهما؟ وهل يمكن بقدرة قادر أن يصبح حاميا للحرية والديمقراطية؟ وهل يمكن لمن أقام علاقات مع إسرائيل ودون اضطرار واستقبل قادتها في قطر، مثل شيمون بيريز، وزار هو ورئيس وزراءه إسرائيل، والأمر موثق بأفلام، وفتح مكتبا لها بمثابة سفارة هل يمكن أن يكون أفضل من السادات ومبارك؟ وهل يمكن لمن استولى على ثروات قطر علنا ورسميا وامتلك مئات المليارات من الدولارات بقوة الحاكم في ظل نظام إقطاعي فردي مستبد لا قانون يحكمه، ووزعها استثمارات له ولعائلته في بريطانيا وأمريكا وغيرها أن يكون أفضل من مبارك وبن علي اللذان سرقا مليارات من أموال الشعب العربي في مصر وتونس؟
وهنا لابد لكشف طبيعة الخدمات العظمى التي تقدمها قطر لأمريكا وإسرائيل من خلال تذكر حقيقة بارزة في تغطية الجزيرة وهي أن الجزيرة وهي تبالغ وتكذب وتهيج في قضايا تونس ومصر واليمن وليبيا والجزائر سوريا والسودان تتجاهل بصورة منظمة ومقصودة إنتفاضات العراق وايران، فبالرغم من أن العراق هو ساحة الصراع الأساسية في العالم كله وما يجري فيه أخطر بكثير مما يجري في كل الأقطار العربية إلا أن الجزيرة وتنفيذا لتعليمات المخابرات الأمريكية تقزم أو تتجاهل ما يجري في العراق وايران من مظاهرات دامية ومستمرة!  لماذا هذا التجاهل أو التقزيم وتصوير ما يحدث في العراق وايران وكأنه حدث ثانوي في حين تلغي الجزيرة منذ شهرين برامجها العادية وتعلن الطوارئ عند تغطية أحداث ليبيا ومصر وتونس واليمن وغيرها؟ الجواب هو أن التغطية الموضوعية للتظاهرات في العراق يعزز دور المقاومة العراقية والحركة الوطنية العراقية في نضالها ضد من يحمي قطر وهو الإستعمار الأمريكي فالتظاهرات في العراق تقوم ضد الإحتلال وأمريكا وليس ضد نظام عربي فاسد لأن نوري المالكي مجرد دمية، كما إن الكشف عن جرائم إيران ضد شعبها يعزز احتمالات إسقاط النظام مع أن إيران هي الشريك الأول لأمريكا وإسرائيل في نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي وتقسيمه وذلكم هو الهدف الرئيس في المخططات الصهيونية لذلك فإن حماية النظام الإيراني فيه مصلحة لأمريكا والكيان الصهيوني.
إن من لا يطرح هذه الأسئلة والتساؤلات ويتجاهلها وهو يتعامل مع ما يجري في وطننا العربي يقدم خدمة مباشرة لإسرائيل وأمريكا حتى وهو يشتمهما لأنه يسهل لأمريكا وإسرائيل التعتيم على ما يجري بتصويره بأنه انتفاضات بلا محاولات إختراق مع أنها انتفاضات لكنها مخرمة بمحاولات الإختراق. نعم إنها انتفاضات وطنية دون أدنى شك، ونعم إنها ضد أنظمة فاسدة دون أدنى شك، ولكن لماذا تتحمس أمريكا وذيولها العرب المشابهين لبن علي ومبارك في دعم الإنتفاضات العربية الوطنية؟ هل هي محاولة لاحتواء الإنتفاضات؟ أم أنها محاولة لإشعال فتن لن تنطفأ إلا بتقسيم الأقطار العربية وهو هدف الصهيونية الأساسي الأول؟ وبماذا يختلف أمير قطر عن الحكام العرب الآخرين كي يشن عليهم حربا صليبية شعواء؟ إن موقف قطر من أحداث تونس ومصر واليمن وليبيا والجزائر وسوريا والسودان كان أهم عناصر البحث الدقيق في هوية وطبيعة تلك الأحداث، لأن نظاما كالنظام القطري لا يقوم إلا بحماية أمريكا وإسرائيل يفقد الأهلية الوطنية والأخلاقية للدفاع عن حقوق الشعوب والديموقراطية ويعد عمليا ورسميا مسمارا في المنظومة الإستعمارية الأمريكية ومن أهم الإحتياطيات الصهيونية في الوطن العربي.
هل ترون أي دور يلعبه الإعلام الموجه في قطر في تنفيذ أخطر حلقات المخططات الأمريكية والصهيونية والإيرانية في وطننا العربي الكبير؟ تذكروا باستمرار ولا تنسوا في غفلة أن الضبع لا يلد إلا ضبعا ومن المستحيل أن يلد غزالا ومن يقول نعم أنه يمكنه أن يلد غزالا لابد وأن عقله ممسوس، ولا مكان للممسوسين بين صفوف الثوار والوطنيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق