الأحد، 25 نوفمبر 2012

دراسة في الفكر الماسوني...


دراسة الفكر الماسوني تعني فهماً أفضل للسياسة ورؤيةً أكثر وضوحاً وشمولية للأحداث العالمية المختلفة. الكثير منا يسمع عن الماسونية ولا يعرفها وربما يخلط بينها وبين الصهيونية وهناك فرق كبير فالصهيونية هى تيار سياسي عسكري حديث يخص طائفة محددة أما الماسونية فهي حركة إلحادية تؤمن بأن الإنسان هو سيد الكون وأنه يستطيع تحدي الآلهة والتحكم فى الأقدار ونشأت من أزمنة سحيقة ومستمرة حتى الآن ولكنها تتطور عبر الزمان. الماسونية ليس لها وطن ولا دين لذا فهي أكثر خطورة حيث أن الماسونيين يتعايشون معنا ويوجهون جهودهم ضد كل الدول وكل الأديان وكل الشعوب.  الماسونية "ليست تنظيماً سرياً ولكنه تنظيم ذو أسرار" له أهداف ظاهرية عظيمة تستعمل كغطاء مثل:

- الحرية             - العدالة              - المساواة            - الإنسانية.
ولكن الأهداف الحقيقية وهي الهيمنة التامة على العالم بجميع مناحيه ولا يعرفها إلا مجموعة بسيطة منهم تسمى (النخبة أو الطبقة المستنيرة) التي تدير العالم بأسره. يتوزع أعضاء التنظيم الماسوني في شكل هرمي يتكون من درجات متعددة  وتتم الترقية من مرتبة إلى أخرى حسب قيمة الخدمات التي يقدمها العضو كما أنه كلما ارتقى العضو أكثر أصبح أكثر إطلاعاً على حقيقة أكبر الأمر الذي لا يتوفر له في المراحل المبكرة. تتم الدعوة للشخص المستهدف من خلال عضو ناشط ويتم انتقاؤه تبعاً لقدرته على التأثير في المجتمع لمكانته المرموقة أو فكره المستنير وعادةً ما تكون البوابة هي المنظمات الخيرية. وتقوم الحركة على المنفعة المتبادلة فتمنح الأعضاء المكانة والمال أو غيرها على أن تجندهم لخدمة الأجندة الماسونية بنوع من الإبتزاز فيطلب من العضو تنفيذ تكليفات محددة مقابل حياته وحياة المقربين وعدم إفشاء أسراره فالعضو يظل عبداً لا يملك إلا تنفيذ ما يؤمر به ومن الشخصيات التى تم تصفيتها بالاغتيال على سبيل المثال: الرئيس الأمريكي جون كنيدي - الأميرة ديانا - المغني مايكل جاكسون. كما يتم تلقين العضو في المراحل الأولى إلى جانب المعارف الأساسية بعض العلوم الخاصة بالحركة الماسونية.

تناقلت الأفكار الماسونية عبر القرون الزمنية ولكن فى عام 1390م كانت البداية الرسمية للماسونية العالمية بصدور النص الماسوني الأول وفي نهاية القرن 17 تم إنشاء منظمة الطبقة المستنيرة التي أعادت هيكلة الماسونية في شبكة عالمية واحدة مع وضع أجندة واحدة تحمل الخطوط العريضة للفكر التنويري وهو الشكل التي هي عليه الآن.
ويسعى النظام الماسوني إلى إرساء قواعد حكومة مركزية تمثل النخبة وتدير العالم كله وتتبعها 3 حكومات فرعية:
- أمريكية      - أوروبية      - باسيفيكية.
تسيطر على الحياة الإنسانية بكافة مناحيها على نطاقٍ واسع. تعمل الحكومة المركزية على الأخذ بيد العالم نحو عصرٍ جديد ومرحلة جديدة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية ينقسم فيها العالم إلى طبقتين بينهما هوة شاسعة.
الأولى: هي النخبة وهي بدورها مقسمة هرمياً ولا تمثل إلا شريحة ضئيلة جداً على مستوى عدد سكان العالم أما،
الثانية: فهي العوام أي طبقة القطعان البشرية المستعبدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ورغم ذلك تعد هذه الطبقة المستعبدة أوفر حظاً من غيرها إذ أن الوصول إلى ذلك العصر لن يكون قبل أن تتعرض الإنسانية إلى حملة إبادة جماعية لحوالى 5 مليار فرد من أجل أن يحيا مليار واحد بمستوى دخلٍ محترم وذلك عن طريق الحروب العسكرية والكيميائية والنووية والجرثومية والفيروسية والهرمونية حيث أنهم يؤمنون بأن "الغاية تبررالوسيلة" ويعاملون "البشرية غير النخبوية" معاملة الحيوانات لا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية بينما لا يتمتع بمنافع النظام الماسوني إلا النخبة الحاكمة.
بالرجوع لأركان النظام الماسوني والذي يرسخ ما يسمى بالعولمة:
1)الهيمنة السياسية: افتعال الحروب والهزات السياسية غالباً ما تتمخض عنها حركات انقسامية واستقلالية على نطاق واسع مثل الحرب العالمية الأولى والثانية - اتفاقية سايكس بيكو - الحرب الباردة - مشروع الشرق الأوسط الكبير لتقسيم العالم إلى دويلات صغيرة جداً فاقدة للحد الأدنى من سيادتها يكون خضوعها لحكومة عالمية موحدة أمراً لا مفر منه.
2)الهيمنة الاقتصادية: من خلال سيطرة الحكومة المركزية على الموارد والأصول ورؤوس الأموال وظهور عملة موحدة خاضعة لنظام بنكي إلكتروني موحد يراقب إيرادات ومصروفات الأفراد في العالم بأسره. وتكون العملة رقمية بمعنى أن ما يملكه الفرد من مال يكون مجرد رقم وسيكون للنظام المالي العالمي الحق فى مصادرة رصيدك الرقمي إذا تجاوزت في مصروفاتك.
3)الهيمنة التكنولوجية: ولترسيخ الهيمنة السياسية والاقتصادية لابد من نهضة شاملة على جميع الأصعدة لا سيما علمياً وتكنولوجياً مما سيجعلها تثبت أقدامها بشكل أقوى. وعندما يحين الوقت لإطلاق النظام العالم الجديد بهيكليته السياسية والاقتصادية ستفرج الماسونية عما تملكه من تقنيات إعجازية وإبهار تكنولوجي: "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً....." [يونس:24].
4)الهيمنة العقائدية: تؤمن بأهمية وجود عقيدة دينية أو فكرية من أجل جمع الناس تحت لوائها من هذا المنطلق فهم يروجون للديانة التنويرية التي ابتكرتها عقول (النخبة) و لكنهم لا يؤمنون بها ولن يكون صعباً عليهم تحقيقها على أرض الوقع عندما تكون هذه الديانة مقترنةً بثورة علمية ونظريات جديدة في فلسفة الوجود. وتقوم الديانة التنويرية على وجود قوتين متضادتبن وهما (أدوناي) وهو من أسماء الله عند اليهود ويعتقدون أنه إله الشر والظلام  واضطهاد العلم والمنتصر حتى الآن و (لوسيفر) إله النور والعلم والحرية ولذا فهم يتمردون على (أدوناي) وقرروا مساندة (لوسيفر) الذي يحقق لهم كل ما يريدونه ويسعون لكسب تأييد ضعاف الإيمان من أصحاب الديانات الأخرى من خلال التحكم في مصائرهم وذلك لتعزيز موقف (لوسيفر) ومن ثم رضاؤه عنهم كي يساعدهم على الانتصار النهائي على (أدوناي) الذي لا يرضون عنه ليحكم (لوسيفر) الأرض ويقيم الجنة والنار ويكون الخلود في الجنة للتنويريين ومن هنا استباحوا استعباد وذل وإبادة اللآخرين الكافرين بديانتهم.
تقوم سياسة النخبة على الالتفاف على الجماهير والتلاعب بعقولها ومشاعرها فتستمد شرعية كل خطوة تقوم بها في برنامجها من رغبات الجماهير أنفسهم وتبني كل مرحلة جديدة ضمن مخططها على قاعدة جماهيرية واسعة النطاق حيث أنها تؤمن أن الطاقة البشرية هي الأساس ولا توجد قوة في العالم قادرة على إخضاع الجماهير بقوة السلاح أو التكنولوجيا ولا يمكن إخضاع الشعوب طالما أنها تمتلك الإرادة، حتى الاحتلال يحتاج إلى قاعدة جماهيرية في البلد المحتل إلى جانب قبولاً من الرأي العام العالمي. فكر الماسونية مبنى على أساس أنه لا يمكن أن ينجح احتلال معتمداً في غزوه على القوة العسكرية فقط، إنما ينجح عندما يغزو عسكرياً وفكرياً وإعلامياً في آن واحد.
لكن هذه القوة تمثل سلاحاً ذا حدين، فإما أن يستطيع الشعب تسخير تلك القوة لصالحه، فإن ذلك يعني بأن هذا الشعب “سيستجيب له القدر” وسيتمكن من قيادة نفسه وتحقيق مصالحه وصناعة المعجزات أما عندما يتم تجريد الشعب من “وعيه”، فإن تلك الطاقة البشرية ستتحول إلى مجرد “قطعان بشرية” تمتلك قوة التأثير ذاتها لكنها تفتقد التوجيه تائهة لا تعرف طريقها. عندها ستحتاج تلك القطعان البشرية إلى راعٍ يقودها، وهنا يأتي دور العقول النخبوية الخبيثة التي ستستلم مكانها في قيادة تلك الجماهير فتسوقها وتستغل قوتها من أجل تحقيق مصالحها لا مصالح الجماهير المساقة. ومن أجل حربها ضد هذا الوعي الجماهيري، تسخر الماسونية العالمية كافة الأدوات المتوفرة لديها، من خلال سيطرتها على الإعلام العالمي، وتغلغلها ضمن المحافل الدينية، وإشرافها على وضع المناهج التعليمية والتدريسية في كل أنحاء العالم، وقيامها بزرع النظريات السياسية والدينية والعرقية والطائفية المتطرفة في وجدان الجماهير من خلال الأحزاب والتيارات المختلفة في كل مكان من هذا العالم. وبعد أن تنجح الماسونية العالمية في سلب الجماهير وعيها، وتحويلها إلى مجرد قطعان بشرية منساقة، خلف إعلامها ونظرياتها المتطرفة التي زرعتها، يأتي هنا دور النخبة في توجيه تلك القطعان البشرية على الشكل الذي تريده، من أجل تحقيق غاياتها وتنفيذ سلسلة المراحل المتتالية من خلال  مجموعتين رئيسيتين تندرج تحتهما كل السياسات المتبعة:
1) سياسة الداء و الدواء:

تقوم النخبة بخلق مشكلة ما ومن ثم يلقون إلى الجماهير بالحل الذى يتحول هذا الحل بدوره إلى مشكلة لاحقاً ثم يأتي دور النخبة في الإلقاء مرةً أخرى بحبل النجاة، وتستمر هذه السلسلة إلى ما لا نهاية فعلى سبيل المثال تصنع الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة لتحرض على الثورة ضدها في وقت لاحق عن طريق دعمها لتلك الأنظمة الفاسدة ثم يبدأ الاستياء الشعبي وتتصاعد أصوات الجماهير فتطيح تلك القوى الكبرى بذلك النظام الاستبدادي لتستبدله بنظامٍ عميل من نوعٍ آخر أي أنها تلتف على الجماهير بطريقة خبيثة فيكون النظام الفاسد الصغير قد سقط ويحل مكانه الفاسد الأكبر بل إنه سيظهر في ذلك الوقت بمظهر المنقذ الذي أنقذ الجماهير من جلادها. سيصل هؤلاء بالعالم إلى حالة من الفوضى لا مثيل لها على مر التاريخ وإلى مرحلة من الصراعات العالمية الكبيرة والصغيرة، الخارجية والمحلية، سيتحول العالم إلى غابة حقيقية، تتصارع فيها القوى العالمية الكبرى من جهة، والأقاليم المصغرة من جهة أخرى، تبعاً لأحقاد سياسية وتاريخية ودينية وطائفية ومذهبية وعرقية وطبقية الخ.. إنها “فوضى منظمة” أو كما يطلقون عليها "الفوضى الخلاقة" سيأتي بعدها دور النخبة في توليد النظام من الفوضى، هذا النظام هو "النظام العالمي الجديد" الذي سيخضع تلك الغابة إلى سيطرته التامة فهو وحده القادر على أن يلعب دور المنقذ ويعيد الأمور إلى نصابها. ستنعكس تلك السياسات على الاقتصاد العالمي، تستدين الدول الى البنوك العالمية وتنهار البورصات والأسواق وجميع العملات العالمية إيذاناً بظهور قوة اقتصادية ماسونية واحدة والعملة الإلكترونية الموحدة. هذا إلى جانب تقسيم الأديان وتحويلها إلى تيارات سياسية مجردةً إياها من دورها الأساسي الذي خلقت من أجله، كما تحرض على الفتن الدينية والطائفية والمذهبية، وساهمت في صناعة الحرب بين الدين والعلم، وبين الدين والمنطق.

2) سياسة القطبين، الموجب والسالب:

تقوم سياسة القطبين، الموجب والسالب، على خلق وتغذية خلاف معين، سياسي أو اقتصادي أو عرقي أو طائفي أو تاريخي، بين طرفين معينين، بغرض تحويلهما إلى قوتين حقيقيتين متصارعتين. ومن ثم تقوم الماسونية العالمية من خلال عملائها المدسوسين والمتغلغلين لدى كل من الطرفين بتصعيد حالة التوتر بين الطرفين، الأمر الذي يتزامن مع زيادة تسليحهما وتجهيزهما للمواجهة المنتظرة، ومن ثم يتم تلفيق حادثة ما، كحادثة اغتيال، أو تفجير، لتكون بمثابة الفتيل أو "القشة التى تقسم ظهر البعير" لزج الطرفين في حرب حقيقية مدمرة لكليهما، بعد أن يكون الطرفان قد وصلا إلى مرحلة يستطيع فيها كل منهما إيذاء الآخر لإبقاء شعوب العالم في حالة دائماً من الاقتتال استناداً إلى نظرية “فرق تسد”،  فنلاحظ على سبيل المثال الكثير من الحماقة في تصرف الأجهزة الأمنية في بعض البلدان، في وقت تتعرض فيه لحملة تصعيد شرسة، وأزمة داخلية تزداد تفاقماً نتيجة هذه الحلول الأمنية. أي في الوقت الذي تتعرض فيه بعض البلدان لمؤامرة خارجية، نلاحظ أن ممارسات أنظمة تلك البلدان تساعد على إنجاح تلك المؤامرة. إنما هي في الواقع أجندة تديرها منظومة سياسية عالمية واحدة. وعندما تريد هذه المنظومة تحقيق هدفٍ معين، تتحرك من أجل هذه المنظومة جميع الآليات السياسية والاقتصادية والإعلامية في الداخل والخارج، ولدى جميع الأطراف. سوف نلاحظ غياب الموقف السياسي الوسط، والدين الوسط، والإعلام الوسط، وكيف أن كل من يتخذ موقفاً وسطياً يتم إقصاؤه أو تجاهله أو تحييده لأن التطرف هو دائماً القانون الأساسي في اللعبة. الإعلام له الدور الأكبر في تجييش وتعبئة القطعان البشرية في فريقين لا ثالث لهما، فبغياب الإعلام الوسط، يجبر المشرفون على المؤامرة الناس على الرؤية بعين واحدة، وبالتالي رؤية وقائع متناقضة تماماً، تؤجج لدى كل منهما مشاعر الكره والبغض والانتقام والتخوين تجاه الآخرين ممن يخالفهم الرأي.

فقد ثبت في صحيح مسلم عن فاطمةَ بنت ِقيس قالت: سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: ((لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ))، ثُمَّ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ))؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ  الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ؟ قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ. قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ. قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا.قَالَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ -يَعْنِي الْمَدِينَةَ- أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ))؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. قال: ((فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنْ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ)).
رواه مسلم في صحيحه برقم (2942)، فهو حديث صحيح، رواه أهل العلم في كتبهم، من طريقين عن فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها-، وقال الترمذي رحمه الله: "الجامع الصحيح" (2253): "هذا حديث صحيح غريب"، وقال ابن عبد البر: "الاستذكار" (7/338): "ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق