الجمعة، 19 أكتوبر 2012

أهمية السودان بالنسبة لإسرائيل وأمريكا...

لماذا تركز أمريكا وإسرائيل على السودان، وتعملان لأجل تقسيمه وتفتيته؟
ـ وهل كان استفتاء الجنوب سوف ينهي الأزمة بانفصاله عن الدولة السودانية، أم سيشكل هذا الانفصال بداية ومنطلقاً لأزمات جديدة، ولاستكمال مشروع التقسيم؟
ـ وهل أن الخطر على وحدة السودان يأتي فقط من الخارج، أم أن هناك عوامل داخلية تساعد على جعل هذا الخطر أمراً وقعاً؟
أولاً: أسباب التركيز الأميركي الإسرائيلي على السودان:
من المعروف أن الدول الاستعمارية عندما تخطط لأجل تخريب، أو احتلال بلد ما فإنها إنما تفعل ذلك لأجل تحقيق مصالح محددة، إما مصالح آنية، أو اقتصادية، أو سياسية، ولذلك هي لا تتدخل في شؤون الدول وتعمل على تنمية قوى داخلية وتغذيها، وتقدم لها الدعم المادي، والسياسي، وحتى العسكري حباً فيها، أو قناعة بأحقية مطالبها، وإنما لاستخدام هذه القوى موطأ قدم لتبرير تدخلها، ووسيلة لبلوغ أهدافها الاستعمارية، ولذلك علينا أن نسأل أنفسنا ما الذي يدفع أميركا، وإسرائيل للتدخل في شؤون السودان، والتخطيط لتقسيمه؟

أهمية السودان:
إن أي مدقق في الأمور لا بد وأن يلحظ أن السودان يتمتع بأهمية كبيرة من جميع النواحي، الجغرافية، والاقتصادية، والسياسية.
1- من الناحية الجغرافية:
السودان، الذي هو أكبر بلد عربي وأفريقي من حيث المساحة (2.5 مليون كم2)، يحتل موقعاً جغرافياً هاماً من عدة نواحي:
ـ فهو له حدود مع تسع دول عربية وإفريقية هامة تركز عليها الاستراتيجية الأميركية في منطقة إفريقيا الوسطى، وخاصة منطقة ما يعرف بالبحيرات الكبرى.
ـ يشكل السودان من حيث موقعه البوابة الجنوبية للأمن القومي العربي، من يمسك به فانه يمسك بالخاصرة الجنوبية لأمن الأمة العربية بدءاً من مصر.
ـ يقع السودان على البحر الأحمر لمسافة 390 ميلاً قبالة الشواطئ السعودية، ومن المعروف أن البحر الأحمر يشكل ممراً هاماً وإجبارياً لعبور ناقلات النفط، والسفن التجارية من منطقة الخليج باتجاه دول العالم لاسيما الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
ـ السودان هو دولة الممر الأساسية لمجاري نهر النيل الذي يشكل بالنسبة لمصر مصدر حياتها.
2- من الناحية الاقتصادية:
يملك السودان ثروات هائلة ومتنوعة تجعله من الدول القليلة التي تتمتع بهذا الغنى من الثروات:
ـ فهو يملك ثروة حرجية كثيفة جعلت منه البلد الأول في العالم في استخراج الصمغ.
ـ يملك مساحات كبيرة وشاسعة من الأراضي الزراعية، ومناخاً يوفر له محاصيل في مختلف الفصول.
ـ يحوز على ثروة مائية كبيرة كما أسلفنا لري أراضيه الزراعية.
ـ يملك ثروة نفطية هامة في العديد من المناطق، وهي في معظمها لا تزال غير مستثمرة.
ـ لديه أيضاً ثروة معدنية، وخاصة معدن اليورانيوم الذي يستخدم في صناعة وانتاج الطاقة النووية.
3- من الناحية السياسية:
هذه الثروات التي يملكها السودان إلى جانب موقعه الجغرافي الهام توفر له مميزات تجعل منه بلداً هاماً وقادراً، اذا ما استثمرها، أن يتحول إلى دولة إقليمية كبرى ومؤثرة على صعيد الأحداث السياسية في المنطقة العربية، والمنطقة الإفريقية على السواء. من هنا فإن اقدام الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل على التدخل في شؤون السودان لأجل السيطرة عليه واخضاعه إنما يستهدف تحقيق الأهداف الآتية:
الهدف الأول: الامساك بالخاصرة الجنوبية للأمن القومي العربي بحيث يصبح الاختراق الأميركي الصهيوني أوسع، وأكبر لأمن الأمة العربية، وكذلك القدرة على التأثير في شؤونها الداخلية.
الهدف الثاني: التحكم بمجرى نهر النيل الحيوي، والهام بالنسبة لأمن مصر بحيث تستطيع إسرائيل، وأميركا استخدام ذلك سلاحاً لابقاء مصر خاضعة للهيمنة، والسيطرة الأميركية الإسرائيلية لا تستطيع الافلات منها.
الهدف الثالث: منع السودان من استغلال ثرواته، والتحول إلى دولة إقليمية كبرى تملك كل مقومات الاستقلال الوطني والاقتصادي، والقدرة على التأثير في مجريات الأحداث، في غير مصلحة المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، خاصة وأن القوى الاستعمارية، ومنذ وطأة أقدامها الأرض العربية، واكتشفت ما فيها من ثروات عملت، وما زالت على منع نشوء أي دولة قوية، وعندما كانت تنشئ مثل هذه الدولة القوية كانت تلجأ إلى تقويضها بشتى الأساليب من الحصار إلى استخدام القوة العسكرية ضدها، وهذا ما حصل مع مصر أيام دولة محمد علي الكبير في النصف الأول من القرن التاسع عشر (1840م)، وكذلك مع مصر أيام حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومع العراق الذي جرى تدمير كل مقوماته كدولة، ومجتمع، في حين يجرى الآن التآمر على الجمهورية الاسلامية الإيرانية لأجل منعها من امتلاك القدرة على انتاج الطاقة النووية بامكاناتها الذاتية، واستطراداً تقويض وهدم قوتها التي تجعل منها قوة إقليمية كبرى تقف حائلاً دون قدرة المشروع الأميركي الصهيوني على فرض هيمنته على المنطقة، وإحكام السيطرة الكاملة عليها، وذات الأمر يتم مع سورية التي تزداد قوتها، وتملك نفوذاً متزايداً في المنطقة نتيجة تمتعها بالاستقلال السياسي، والاقتصادي، ومقاومتها للمشروع الاستعماري في المنطقة، ولهذا فإن المخطط الاستعماري يعمل باتجاهين:
الأول: محاولة ضرب وتقويض الدول القوية التي تهدد مشاريعه الاستعمارية وتحول دون فرضها.
والثاني: الحيلولة دون تمكن أي دولة في المنطقة تملك القدرات، والامكانيات من التحول إلى قوة إقليمية مستقلة بعيداً عن الهيمنة الاستعمارية.
والسودان يندرج ضمن الاتجاه الثاني حيث، ومنذ انتهاء الاحتلال البريطاني له، يجري التآمر عليه، وحياكة المؤامرات داخله لمنعه من استثمار ثرواته الطبيعية، وبناء دولة مركزية قوية في منطقة حساسة، وهامة من زاوية المصالح الاستعمارية الأميركية والصهيونية.
وفي هذا الإطار يقول السفير الأميركي السابق في الخرطوم دونالد باترسون «إن مصالحنا الذاتية في السودان ليست جيوبوليتيكية، وليست جيو استراتيجية، وهي في كل الأحوال ليست مصالح آنية، وإنما مصالح على المدى البعيد، وما يهمنا في المدى البعيد هو أن يكون السودان كجزء من المنطقتين العربية والإفريقية مكانا مستقراً لأنه بالتماس الاستقرار في العالم تزدهر التجارة الدولية، وهذا أمر في صميم مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، ولكي يتحقق الاستقرار في السودان لا بد من تحقيق الديمقراطية،وإنهاء حالة الحرب، والمحافظة على حقوق الإنسان، وإطلاق الحريات». وطبعاً شعارات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات لا تعدو في المفهوم الأميركي الاستعماري سوى شعارات براقة تطلقها واشنطن تجاه البلدان التي تسعى إلى احتلالها واستعمارها. وفي السياق ذاته يكشف الوزير السابق للأمن الداخلي الصهيوني آفي ديختر عن هذا الهدف الأميركي الإسرائيلي بشكل واضح عندما يقول: لماذا نهتم للسودان، ونعطيه هذا القدر من الأهمية، ولماذا التدخل في شؤونه الداخلية في الجنوب سابقاً، وفي الغرب في دارفور حالياً طالما أن السودان لا يجاورنا جغرافياً، وطالما مشاركته في الصراع ضد إسرائيل معدومة، وهامشية، وارتباطه بالقضية الفلسطينية حتى نهاية الثمانينيات ارتباطا واهياً وهشاً»، ويجيب ديختر عن هذه الأسئلة بالقول «السودان بموارده، ومساحته الشاسعة، وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسية مثل مصر، والعراق، والسعودية، لهذا سعت إسرائيل إلى تفتيته لقطع الطريق على احتمالات قيام دولة إقليمية قوية»، مؤكداً أن «جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل من بن غوريون، وليفي آشكول، وغولدا مائير، وإسحاق رابين، ومناحيم بيغن، وإسحاق شامير، وآرييل شارون، وإيهود أولمرت تبنوا الخط الاستراتيجي في التعاطي مع السودان الذي يرتكز على تفجير بؤر، وأزمات مزمنة، ومستعصية في الجنوب، وفي أعقاب ذلك في دارفور.
ثانياً : انفصال الجنوب بداية لاستكمال مخطط تقسيم السودان إلى دويلات متعددة:
إن خطة تقسيم السودان عبر إثارة الصراعات الإثنية، والعرقية والطائفية، ليست جديدة بل هي خطة قديمة يجري تنفيذها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والكيان الصهيوني، وهذه الخطة أخذت في الآونة الأخيرة أبعاداً خطيرة على الأرض لفرض سلخ الجنوب عن الشمال، والإعلان عن ولادة دولة جديدة بمباركة أمريكية إسرائيلية باتت علنية غير مستترة، وكل ذلك يجري تحت عنوان الاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب، والذي جري في يناير المنصرم حيث أشارت كل الوقائع، والمعطيات إلى أن النتيجة ستكون لصالح خيار الانفصال بعد أن اكتملت كل العوامل التي تساعد على تحقيق هذا الهدف الاستعماري لتمزيق وحدة السودان، والتي جرى انضاجها على مدى عقود طويلة من الصراع الدامي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تتخذ من الجنوب منطلقاً لها، وبين الدولة المركزية حيث أدت الحرب، التي غذتها وساعدت على استمرارها كل من واشنطن وتل أبيب، إلى انهاك السودان واستنزاف قدراته، ومنعه من استثمار ثرواته النفطية الموجودة في الجنوب، وخلقت جداراً من العداوة بين أبناء الشعب السوداني، والتي تم حقنها بتعبئة طائفية مستفيدة من غياب التنمية، وحالة الفقر، وأخطاء الحكم في السودان في تجاهل التنوع القائم في الجنوب عبر محاولة فرض نظام إسلامي حيث أدى كل ذلك إلى تعزيز خيار الانفصال، وفي هذا الإطار يلخص زعيم حزب الأمة السوداني الصادق المهدي أسباب ما وصل اليه الوضع في الجنوب بالقول «السودان عاش ظروفاً صعبة، والآن نحن أمام حصاد الهشيم، ولكن عموماً نحن كشماليين تعاملنا مع أهلنا في الجنوب باستعلاء، والمسألة الثانية أن أخوتنا الجنوبيين انفعلوا ضد هذا بدرجة عالية من الانتقامية، وبدرجة عالية من العنف، والاعتماد على جهات أجنبية». ويضيف «أنا اعتقد انه لولا هذه المقدمات لكان في فرصة أن يرجح خيار الوحدة، لأن الظلم الذي عانى منه أهلنا الجنوبيون لا يمكن أن يقارن مثلاً بالظلم الذي عانى منه السود في أميركا».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق